القائمة الرئيسية

الصفحات

الحقيقة المبهمة المرة

الحقيقة المبهمة المرة

خواطر

صورة مقال الحقيقة المبهمة المرة

البحث عن الحقيقة في هذا الوسط العربي المرير تبقى من سابع المستحيلات، لما وصلت إليه حالة وطننا العربي الغالي الكبير، وأمتنا اﻹسلامية المحمدية، من تردِّي وفرقة وشتات وتناقضات في الولاء واﻹنتماء و القومية من جراء اﻷفكار الدخيلة الهدامة والتطبع والتطبيع البغيض والتقليد اﻷعمى والتبعية المقيتة للغرب، واﻹستخفاف بقيمنا ولغتنا وحضارتنا وثراتنا وأدبنا ومبادئنا اﻹسلامية، والتنكر ﻷسلافنا وأجدادنا وإرثنا.

كل هذ ا اﻹفراط والتفريط أدى إلى اتساع هوة الشرخ في الجسد العربي والكيان اﻹسلامي من شرقه حتى غربه، والحال يغنينا عن السؤال، صرنا إخوة أعداء، أو صيرونا كما خططوا ورسموا لنا اﻷعداء، مند زمن بعيد، حتى ضربنا بكل معايير اﻷخوة ومضامين الروابط الوثيقة بيننا في الدين والكتاب واللغة والإنتساب العربي والوحدة اﻹسلامية، فمهما ساد الخلاف بيننا في الرأى واﻵراء، يبقى اﻷصل واحد لا يتجزء، كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وسنة الرسول النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.

فإذا ما نبذنا الخلافات والعراقيل الوضعية من طرف الدخيل، وتصالحنا مع أنفسنا ومع ربنا وفي ما بيننا وتحاورنا حوار الأخوة الإيمانية بالمحبة والإحسان، لا جدال اﻷعداء الذي يورث العداء والجفاء، يومها تظهر الحقيقة وتتجلى ساطعة في اﻷفق واﻵفاق، تعلن أننا بحق إخوة كما أمرنا ربنا القائل في محكم التنزيل:


{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

[سورة الحجرات: الآية 10]

إن هذا الجفاء والقطيعة لم تكن وليدة الساعة، وإنما تمت من تخطيط أعداء الأمة مند زمن بعيد زرعوا السم في العسل واشتروا الضمائر الميتة المغيبة ممن باعوا ذمتهم بعرض زائل من أجل الكراسي الوهمية والمناصب السطحية والتحكم الفاشي بدأ من ملوك الطوائف الذين ضيعوا هيبة الإسلام باللهو والترف والملذات والتطاحن فيما بينهم أيضا من أجل الكراسي التي هي سبب المآسي والميل إلى أهل الكفر لمساندتهم على إخوانهم في الملة والدين واﻹسلام، فتسببوا في سقوط حضارة الأندلس العظيمة الفردوس المفقود. التي استفاد منها العالم الغربي أيما استفادة.

والعجب المؤسف أن حالنا اليوم كالأمس الفارط، أمرنا ليس بأيدينا لا خطى يخطوها أي حاكم اﻻ بأمر الغرب الكافر، هم ينصبون ويقررون ويتحكمون في شؤوننا الداخلية والخارجية، وثرواتنا فوق الأرض وتحت الأرض. والحصيلة الملموسة لذى الجميع، في الوطن العربي السفك والقتل بين إخوتنا والأنفجارات المهولة الناسفة لقرابة الدين والدم والعرق، وهدر قوتنا العربية وكرامتنا وقيمنا ومقدساتنا الإسلامية، ها هي فلسطين الحبيبة يطالها التهويد المقيت على مرآى ومسمع، والقدس الشريف يدنس بالحيف والجشع، وغزة العزة تدك وتهدم، واطفالها الرضع يموتون بالقصف والجوع.

وسوريا العربية الأبية تطحن بالإستبداد المتعجرف المزمع، والعراق بلد الحضارات ودجلة والفورات يحطم بغارات الحقد المشين المفزع ويترك في فتنة خرساء لا تعي وتسمع وبيروت الهادئة المسالمة يطالها أعنف الإنفجار المدمر بغيا وظلما وغدرا بلا موجب حق وشرع. وليبيا بلد المجاهد المختار والمجاهدين الأحرار تتكالب عليها أنظمة الشره والطمع وأجندة الإرتزاق المقنع.

إلى متى يا وطننا الكبير وأمتنا المحمدية هذا الحال الموبوء بالبعض والحقد والكراهية بين اﻷخوة العربية والروابط الدينية وقرابة الدم والأصل حتى متى التبيعة لأعداء الأمة الدخلاء والتطبيع المشين والتطبع المهين مع أهل الكفر. ديننا الإسلامي الحنيف يدعو إلي السلم كما جاء في قوله تعالى:


{۞ وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

[سورة اﻷنفال: الآية 61]

فكيف يكون السلم والتطبيع وإخواننا في فلسطين يقتلون ويشردون علنا أزيد من نصف قرن ونيف، القدس الشريف يهان ويهدم وهو المسجد الأقصى المقدس الذي تشد له الرحال المبارك بنص قرآني:


{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}

[سورة اﻹسراء: الآية 1]

ناهيك عن المسلمين الذين يعانون في بقاع العالم من أقصاه حتي جنوبه أبشع التعنت والتعذيب البدني والنفسي. والرب الجليل يقول في محكم التنزيل:


{۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

[سورة المائدة: الآية 51]

اللهم اهدنا سبل السلام، وازع المحبة بيننا والوئام واجمع شملنا ولم شتاتنا وألف بيننا كما ألفت بين الأوس والخزرج.

بقلم

محمد السوارتي الإدريسي

تعليقات